بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 يوليو 2012

من أعلام الصوفية في موريتانيا الشيخ سيدي محمد الخليفة


الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي :
هو محمد بن المختار ابن أحمد ابن أبي بكر  بن محمد حبيب الله بن الوافي بن سيد اعمر الشيخ بن الشيخ سيد أحمد البكاي بن سيدي محمد الكنتي . يقول عنه صاحب : "منح الرب الغفور في ذكر ما أهمل صاحب فتح الشكور " الطالب بوبكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي :
"كان رحمه الله تعالى من أولياء الله تعالى العارفين ، وكان وليا عارفا بالله، كاملا تقيا عابدا ورعا زاهدا عالما فقيها جمع بين الشريعة والحقيقة" ويضيف : جمع العلوم كلها فقها وحديثا وتفسيرا وغير ذلك " انتهى الاستشهاد.
 والحقيقة أن الشيخ سيدي محمد الخليفة لم يترك لنا سيرة ذاتية عن نفسه باستثناء بعض الإشارات العابرة التي نجدها في ثنايا كتبه وهي في الأغلب الأعم تتحدث عن بعض المواقف التي حصلت له من شيخه ووالده وبعض من تلاميذه .
الابن الخامس من أبناء الشيخ سيدي المختار الكبير ولد حوالي 1756م  اجتذب علمه وورعه منذ صغره اهتمام والده  الذي بلغت شهرته الآفاق إليه فاختاره لخلافته الروحية عندما حضرته الوفاة سنة 1811.
ويروي الشيخ سيدي محمد الكيفية التي انتقلت بها تعاليم الطريقة القادرية إلى جده أستاذ أساتذه الشيخ سيدي عمر الشيخ قائلا :
خرج الجد سيد اعمر الشيخ ، بعدما تضلع من فنون العلوم، وحظي منها بالمدروس والملهوم ، مسافرا  إلى جهة السوس الأقصى ، فلقي الشيخ سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي([1])، فتذاكرا أنواع العلوم وفنونها فإذا كل منهما بحر لا ساحل له، فتفاوضا في علوم القوم فأشفى المغيلي عليه في علوم الباطن فتجرد له سيدي اعمر الشيخ من جميع ما بيده وسأله الصحبة فرضي بها ، فلزمه برسم التقشف والمجاهدة ثلاثين سنة وكان خلّف زوجة وثلاثة أبناء صغار، وسافر من بيته يوم سابع أصغر بنيه ، فلما مات الشيخ قال لبنيه وسائر مريديه قولته المشهورة وهي إحدى علامات الاستخلاف عند المتصوفة : "من كان منكم ملتمسا مني نفعا، فليلتمسه من هذا فإنه احتوى على جميع ما عندي، وامتصني كما يمتص الآكل التمرة ويلقي بالنواة "([2]).
فكما احتوى سيدي اعمر الشيخ على علوم عبد الكريم المغيلي وامتصه كا يمتص لآكل التمرة ويلقى بالنواة ، احتوى هو كذلك على علوم أبيه وشيخه وتفوق عليه كما ذهب إلى ذلك بعض المؤرخين وأنا أيد هذه الفكرة ولا غرو فهذا الشبل من ذاك الأسد .
استمر الشيخ سيدي محمد الخليفة في الزعامة الدينية القادرية خمس عشرة سنة كانت حافلة بالعطاء الفكري الزاخر وأجاد فيها بأعمال فكرية تلخص مختلف جوانب نشاطه الفكري الذي شمل مجمل علوم عصره التي لم يترك منها فنا واحدا إلا وألف فيه وأبدع وأمتع بأسلوب أقرب ما يكون إلى أسلوب عبد القاهر الجرجاني أو الآمدي أو الجاحظ أو الغزالي : له من التآليف والمصنفات ما يربو على الأربعين : من الفقه وعلم الأصول والكلام وأدب السياسة إلى التصوف وعلم العروض والشعر وعلم الأنساب :
ألف في مجال الفقه : إرشاد السالك إلى أقوم المسالك
وكتب في مجال علم الأصول :
1-  ترجمان المقال ورافع الإشكال : وهو شرح نظم ورقات الجويني
2- نظم ورقات أبي المعالي الجويني واسمه منهج الفعال
وفي علم الكلام :
1- بهجة النفوس
وفي أدب السياسة :
1- أوثق عرى الاعتصام للأمراء والوزراء والحكام
وفي التصوف وفيه أكثر أعماله :
1- جنة المريد دون المريد التي تشرفنا بتحقيقها وهي نموذج للأدب الصوفي الجامع لموضوعات التصوف السني المانع لشطحات الإشراقيين والحلوليين وتشبه طريقة تصنيفه مصنفات أعلام المتصوفة الكبار كالغزالي في إحياء علوم الدين والقشيري في رسالته وابن عطاء الله  في الحكم ولطائف المنن .
وله في هذا الفن كتب كثيرة أخرى نذكر منها :
2- الطرائف والتلائد في كرامات الوالدة والوالد
3- السلم الأسنى إلى أسماء الله الحسني
4- الدراري السارية في الأجوبة الخيرية
5- كتاب الإسراء
6- شرح المثلث خالي الوسط
7- شرح الورد القادري
8- العقد النظيم على أقوال العلماء في الاسم الأعظم
9- الفوائد النورانية والفرائد السنية في شرح الاسم الأعظم
10- مفسر المقال لمضمر الحال
11- الإيجاب والسلب بجلاء مرآة القلب
12- منح القدوس في عبق ثمر أحمد الشموس وله في هذا الفن أعمال أخرى يطول حصرها
وفي علم العروض والشعر :
1- الخاتمة على الأبيات والألقاب وللأجزاء والأعاريض والأسباب
وفي علم الأنساب كتابه الشهير : الرسالة الغلاوية التي تعتبر بشهادة الكثيرين
وله كتب أخرى ذات طبيعة سجالية يرد فيها على خصومه في شتى المجالات نذكر منها :
1- الرسالة البارعة القاطعة لدابر سيء اعتقادات المعاند القارعة
2- علم اليقين وسنن المتقين بحسم الإتاوة في حق المستحقين
3- الصوارم الهندية بحسم دعاوى المهدية
وكان الشيخ سيدي محمد الخليفة بارعا في كتابة النثر والشعر في أدب الرسائل وشعر النقائض وكان شاعرا لا يبارى ولا يخلو أي مؤلف من مؤلفاته من قصائد ومقطوعات شعرية .
ومن نوادره : أن تلميذه الأبرز الشيخ سيديا الكبير كان ينتظر منه بعض التعاليم الخاصة وكان يدرس أحد أبنائه الخلاصة لابن مالك واستمر حتى وصل نصف الكتاب وتوقف وقال للتلميذ لست بمتمم لك النصف الآخر من الكتاب حتي يفي لي والد يعني الشيخ سيدي محمد بما وعدني ونظم ذلك في أبيات وسلمها له يقول فيها :
يا سيدي نصـف الخلاصة لابن
مالكٍ الإمام محـــمدٍ  أكملته
وعلمتوا ما العـــاد إلا  أنني
لأتم  فائد عـــــادة حولته
والفضل والإحسان منكم والجدا
أملته  و رعيته وســـــألته
ولقد وعدت بمثل ذا يا سيـدي
وعدا  لخير قد عرضـته وأطـلته
فرد عليه الشيخ سيدي محمد الخليفة بهذه الأبيات :

لك ناجز الوعد الذي  أمـــلته
ممن يحقق ما عليه أحــــلته
ولمقرئ  ولدولة و مــــذاكر
ولمن بعروة الانتساب وصــلته
ولمن  أتى متوردا  ورد  الصــفا
فسقيته و حضنته  وكفـــلته
وضربت دون  مصاده  حــصنا
حمى مما يخاف و بالروا أنهــلته
وصرمت من شيطانه  أشطــانه
وهزمت جند  عدوه و فلــلته
و غسلت جوهر  سره  بمــطهر
عذب منير باعث و غســـلته
أجنيته قطف المعـــارف دانيا
ورعيته و رفوته و رفــــلته
وأقلته وأقمته وأقــــــته
وحميته و حبوته و حمــــلته
وأعرته طرفا أراه حقــــيقة 
من  دون لائحها الغطاء  سبـلته
فيها رآها والعناية  ركــــنه
وأنا   الذي  بمكاحلي  أكحـلته
فغدا بصيرا  بالبصيرة عـــنده
مكنوز ما أودعته و أنــــلته
تخفي الأهلة ما استهــلت بينها
شمس  سمكت  سماءها  و حلـلته
وأدرت أقطـــابا بها و دوالبا
وبسطحها أنزلت  ما نـــزلته
وكذا الرقاع السبع قمت بدورها
فعلوت  دائر قوسها و سفــلته
ورفوت منها ما و هى ورقعت ما
خرق الجفا وغزوته وعـــزلته
من شاء فليؤمن و من يك  كافرا
فالحق يا ذا اللب ما قد قـــلته
ذكر هارون بن بابه بن الشيخ سيديا في كتاب الأخبار سبع عشرة إجازة منحها الشيخ سيدي محمد لعلماء موريتانيين من مختلف الجهات .
ومن أشهر تلاميذه : الشيخ سيديا الكبير الذي وصل إلى الزاوية الكنتية بأشهر قليلة قبل وفاة الشيخ سيدي المختار الكنتي  فكان من حظه أن رافق الإبن طيلة خمسة عشر عاما إلى أن توفي بدوره سنة 1826. وكان الشيخ سيديا قد غادر مخيم الشيخ عائدا إلى موطنه بعد إجازته لكن علم بموت الشيخ وهو لا يزال في الطريق فقل راجعا وكان من حظه أن شارك في عزاء الفقيد رحمه الله الذي توفي في مايو سنة 1826 فدفن في جوار والده بولنوار غربي بانمبا وإلى الجنوب من المبروك







[1] محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني (909 هـ - 1503 م) : مفسر، فقيه، ومتصوف من أهل تلمسان بالجزائر . اشتهر بمناوأته لليهود وهدمه كنائسهم في توات (بقرب تلمسان) ورحل إلى السودان وبلاد التكرور، لنشر أحكام الشرع وقواعده . وتوفي في توات . من أشهر تلاميذه سيدي عمر الشيخ الكنتي - جد المؤلف – الذي أخذ عنه مبادئ الطريقة القادرية . له كتب، منها " البدر المنير في علوم التفسير" و "التعريف، فيما يجب على الملوك " (مخطوط) لعله رسالته المساماة " تاج الدين، فيما يجب على الملوك والسلاطين " و "أحكام أهل الذمة "(مخطوط) و "شرح مختصر خليل" في فقه المالكية، و "مفتاح النظر" في علم الحديث، و "منح الوهاب "(مخطوط) منظومة في المنطق، له شرح عليها سماه "إمناح الأحباب من منح الوهاب" في دار الكتب . وله نظم، منه قصيدة عارض بها البردة  . انظر بهذا الخصوص ، الزركلي ، الأعلام ، ج 6 ، ص216.
لشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي ، جنة المريد دون المريد ، تحقيق البكاي ولد عبد المالك ، ص (مخطوط).


المراجع والمصادر :
1- أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الولاتي ، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور، تحقيق محمد ابراهيم الكتاني ، ومحمد حجي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1981.
2- بول مارتي ، دراسات حول الإسلام في موريتانيا ، ترجمة د . البكاي ولد عبد المالك ، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ، تونس ، 2010.
3- الرسالة الغلاوية ، تحقيق  د .حماه الله ولد السالم  (مخطوط).
4- جنة المريد دون المريد ، تحقيق د. البكاي ولد عبد المالك (مخطوط)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق