بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يوليو 2012

عقبة بن نافع الفهري

فاتح افريقيا القائد عقبة بن نافع الفهري
عقبة بن نافع الفهري قائد فتح افريقيةعقبة بن نافع وفتح إفريقية: هو عقبة بن نافع القرشي الفهري، نائب إفريقيا لمعاوية وليزيد، وهو الذي أنشأ القيروان واسكنها الناس ، وكان ذا شجاعة، وحزم، وديانة، لم يصحّ له صحبة، شهد فتح مصر، واختطّ بها ، فقد اسند معاوية بن أبي سفيان قيادة حركة الفتح في إفريقية إلى هذا القائد الكبير الذي خلد التاريخ اسمه في ميدان الفتوحات، وكان عقبة قد شارك في غزو إفريقية منذ البداية مع عمرو بن العاص واكتسب في هذا الميدان خبرات واسعة، وكان عمرو بن العاص قد خلفه على برقة عند عودته إلى الفسطاط، فظل فيها يدعو الناس إلى الإسلام، وقد جاء إسناد القيادة إلى عقبة بن نافع خطوة موفقة في طريق فتح شمال إفريقيا كله، ذلك أنه لطول إقامته في برقة وزويلة وما حولها، منذ فتحها أيام عمرو بن العاص، أدرك أنه لكي يستقر الأمر للمسلمين في إفريقية ويكف أهلها عن الارتداد، فلا بد من بناء قاعدة ثابتة للمسلمين ينطلقون منها في غزواتهم، ويعودون إليها ويأمنون فيها على أهلهم وأموالهم، فلما أسند إليه معاوية بن أبي سفيان قيادة الفتوحات في إفريقية، أرسل إليه عشرة آلاف فارس وانضم إليه من اسلم من البربر فكثر جمعه ، وسار في جموعة حتى نزل بمغمداش من سرت ، فبلغه أن أهل ودان قد نقضوا عهدهم مع بسر بن أبي أرطأة الذي كان عقده معهم حين وجهه إليهم عمرو بن العاص ومنعوا ما كانوا اتفقوا عليه من الجزية، فوجه إليهم عقبة قسماً من الجيش عليهم عمر بن علي القرشي وزهير بن قيس البلوي، وسار معهم بالقسم الآخر من الجيش واتجه إلى فزان ، فلما دنا منها دعاهم إلى الإسلام فأجابوا ، ثم واصل فتوحاته، فتح قصور كُوّار ، وخاور ، وغدامس ، وغيرها ، ومما يلاحظ أن عقبة تجنّب في مسيرة المناطق الساحلية، فقصد المناطق الداخلية يفتحها بلداً بلداً، ويبدو أنه فعل ذلك ليأخذ البربر إلى جانبه ويقيم جبهة داخلية تحيط بالبيزنطيين على الساحل وتمدّه بالطاقات البشرية للاستقرار والإطاحة بالوجود البيزنطي .ثالثاً : بناء مدينة القيروان :في سنة 50هـ بدأت إفريقية الإسلامية عهداً جديداً مع عقبة بن نافع، المتمرس بشؤون إفريقية منذ حداثة سنّه، فقد لاحظ كثرة ارتداد البربر، ونقضهم العهود، وعلم أن السبيل الوحيد للمحافظة على إفريقية ونشر الإسلام بين أهلها هو إنشاء مدينة تكون محط رحال المسلمين، ومنها تنطلق جيوشهم فأسس مدينة القيروان وبنى جامعها ، وقد مهد عقبة قبل بناء المدينة لجنوده بقوله: إن إفريقية إذا دخلها إمام أجابوه إلى الإسلام، فإذا خرج منها رجع من كان أجاب منهم لدين الله إلى الكفر، فأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة تكون عزاً للإسلام إلى آخر الدهر، فاتفق الناس على ذلك وأن يكون أهلها مرابطين، وقالوا: نقرب من البحر ليتم لنا الجهاد والرباط، فقال عقبة إني أخاف أن يطرقها صاحب القسطنطينية بغتة فيملكها، ولكن اجعلوا بينها وبين البحر ما لا يوجب فيه التقصير للصلاة فهم مرابطون ، ولم يعجبه موضع القيروان الذي كان بناه معاوية بن حديج قبله، فسار والناس معه حتى أتى موضع القيروان اليوم ، وكان موضع غيضة لا يرام من السباع والأفاعي، فدعا عليها، فلم يبق فيها شئ ، وهربوا حتى أن الوحوش لتحمل أولادها ، وعن يحي بن عبد الرحمن بن حاطب قال: يا أهل الوادي! إنا حالون إن شاء الله، فظعنوا، ثلاث مرات فما رأينا حجراً ولا شجراً إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطنا بطن الوادي: ثم قال للناس: انزلوا بسم الله ، وكان عقبة بن نافع مجاب الدعوة ، وقد رأى قبيل من البربر كيف أن الدواب تحمل أولادها وتنتقل، فأسلموا ثم شرع الناس في قطع الأشجار وأمر عقبة ببناء المدينة فبنيت وبني المسجد الجامع، وبنى الناس مساجدهم ومساكنهم وتم أمرها سنة 55هـ وسكنها الناس، وكان في الناس، وكان في أثناء عمارة المدينة يغزو ويرسل السرايا، فتغير وتنهب ودخل كثيراً من البربر الإسلام، واتسعت خطة المسلمين وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان وأمنوا واطمأنوا على المقام فثبت الإسلام فيها ، وتم تخطيط مدينة القيروان على النمط الإسلامي، فالمسجد الجامع ودار الإمارة توأمان، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فهما دائماً إلى جوار بعضهما، ويكونان دائماً في قلب المدينة التي يخطتها المسلمون ويرتكزان في وسطها ، وبينهما يبدأ الشارع الرئيسي للقيروان، الذي سيسمى باسم السماط الأعظم، ثم ترك عقبة فراغاً حول المسجد ودار الإمارة في هيئة دائرة واسعة، ثم قسمت الأرض خارج الدائرة إلى خطط القبائل، ليكون استمراراً للشارع الرئيسي في الاتجاهين إلى نهاية المدينة، وانجفل البربر من نواحي إفريقية إلى القيروان، وسكنوا حولها وكان الكثير منهم دخل في الإسلام، وشرعوا في تعلم اللغة العربية والقرآن الكريم وأمور دينهم وهكذا نشاهد فيما بين سنتي 50 و55هـ حركة قوية بدأت في تعريب الشمال الأفريقي .
                                                                                                                       بقلم : عابدين الفردي

أهمية المخطوطات والمدن التي احتضنتها/ الاستاذ/ السيد بن بيلا


أهمية المخطوطات والمدن التي احتضنتها/ الاستاذ/ السيد بن بيلا 
وهذه المدن أو المراكز هي
1. قــــــــــاوه عاصمة امبراطورية الصنغاي والتي تأسست في القرن الثاني الهجري
2. وجـــــــني التي تأسست في القرن الثالث الهجري ولكنها لم تصبح مدينة إسلامية إلا في القرن السادس الهجري
3. ثم تمبـــكتو جوهرة الصحراء التي تأسست في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي لكنها برغم تأخرها عن جارتيها قامت بأكثر الأدوار أهمية في ازدهار الحياة العملية، والثقافية، والاقتصادية في كافة مناطق بلاد السودان ، ربما بسبب وقوعها عند نقطة نهاية الطرق القادمة من بلاد المغرب الأقصى، البلد الأكثر تأثيراً في هذه المناطق – ووقوعها شمال النهر على حافة الصحراء – هذه الصحراء المعطاءة التي لم تشكل يوما عائقاً أو حاجزاً يحول دون انسياب ، وتدفق الخير والنماء ، والبضائع ، ورواد الثقافة، والفكر، والدين ، بل كانت الطرق التي تشقها – منذ قرون موغلة في القدم – من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، والآبار العذبة المترامية على جنباتها - كانت خير معين لتدفق المؤثرات الفكرية ، والروحية ، والاقتصادية من خلال تجارة القوافل ، والتجار الذين تملؤهم الجرأة وحب الاستكشاف ، والبحث عن الربح الطيب ، وأكتشاف المجهول ، وقد تأسست محطات تجارية عند نهايات هذه الطرق والدروب 
وأصبحت مناطق جذب ارتادها الفقهاء ، و العلماء، والدعاة من كل البلاد الإسلامية ؛ من المشرق ، والمغرب ، بل وحتى من بلاد الأندلس ثم ما لبثت أن تحولت إلى منارات علم وهدى ، ومراكز للإشعاع الفكري ، والثقافي ، وشكلت نقاطا مضيئة في خريطة المنطقة ، للازدهار الاقتصادي والتطور الإجتماعي المطرد لقرون عديدة
ومن أسباب هذا الإنسياب :- 
ما وفره ملوك وحكام وسلاطين البلاد من جو آمن، واحترام وتقدير خصوا به أهل العلم والمعرفة ، وخاصة في عهد سلاطين مالي العظام أمثال منسي موسى (1321/1337م) صاحب أشهر رحلة حج في التاريخ ، ومنسي سليمان (1314/1360م) ، كذلك فعل ملوك إمبراطورية الصنغاي، في عهد الاسكيات العظام أمثال الأسيكا الحاج محمد توري ، الذي كان يتمتع بموهبة فائقة في التنظيم السياسي ، وعاطفة دينية جياشة ، وما كان يبديه من احترام ، وتقدير فائقين للدين الإسلامي ، والعلوم الشرعية ، وما تمتع به الفقهاء والعلماء وتجار الشمال من مكانة مرموقة في بلاطه الأمر الذي ساهم بشكل ملحوظ في تطور الحركة العلمية والثقافية في عهده الميمون
وتحدثت المصادر عن ازدهار التجارة بين مدن العقفة وبلاد المغرب وأنها مرت بمراحل متصاعدة ، ابتداء بالتجارة الصامتة التي ذكرها هيرودوت في العصور القديمة ، ثم مبادلة سلعة بأخرى ، ثم استخدام الودع ، وقوالب الملح كعملة مقابل الذهب غير المصنع وغيره من سلع الجنوب ، ثم استخدمت الصكوك في مرحلة لاحقة والتي لا تختلف كثيرا عن الشيكات المعروفة في وقتنا الحالي ، الأمر الذي يؤكد أن المعاملات التجارية بين المنطقتين في ذلك الوقت كانت على درجة عالية من التقدم ، ومواكبة العصر.
وقد شكل الملح والذهب ، والخيل ، والأسلحة ، والأقمشــة الحريرية والقطنية ، عاج الفيل وريش النعام ، وثمرة الكولا ، والبهارات ، والحلي المصنعة في حوض المتوسط ..الخ شكلت هذه السلع عصب التبادل التجاري بين ضفتي الصحراء ، ولكن الكتب كانت أغلى هذه السلع جميعا إبان نهوض وأزدهار الثقافة العربية في البلاد ، وأكثرها ربحا ، ولاحظ هذه الظاهرة الكثير من الرحالة الذين زاروا منطقة منحنى النهر، ودونها والمؤرخون الذين كتبوا عنها
إذن فالحركة الفكرية ، والنهضة العلمية والثقافية التي عرفتها المنطقة في القرون الوسطى ، كان من أسبابها ، ما وفره الحكام ، والملوك ، من جو مفعم بالأمن ، والاستقرار إضافة إلى التقدير، والاحترام الفائقين اللذين كان يحظى بهما الفقهاء ، والعلماء والدعاة – كما أسلفنا – كل هذا دفع بالكثير من النخب المثقفة في المشرق ، والمغرب ، وبلاد الأندلس دفع بهم إلى أن يتوجهوا نحو هذه البلاد التي نعمت برخاء اقتصادي زاهر ومستوى معيشة طيب ، فكان لهذه الظروف مجتمعة الفضل الأكبر في خلق جو علمي حر، وجذاب في مدن منحنى النهر، فانتشرت المدارس ، والجامعات، فكانت جامعة سنكري ، وجنقربير، ومئات المدارس ، حتى أحصت بعض المصادر أكثر من مائة وثمانين مدرسة (180) في تمبكتو وحدها ، وذكر المؤرخون وجود حوالي أربعة ألاف ومائتي فقيه (4200) وعالم في مدينة جني أثناء إسلام مليكها في القرن السادس الهجري
وكان العلماء والفقهاء والصلحاء يؤسسون المكتبات الخاصة في بيوتهم ، وفي دور التعليم، وفي الجوامع وفي أحيائهم المتنقلة ، ويحملون كتبهم على ظهور الجمال أثناء ظعنهم ، وكذلك فعل بعض الملوك والسلاطين حيث أسسوا مكتبات بقصورهم الملكية التي زخرت بالكتب القيمة ، والمخطوطات النفيسة في شتى الفنون ، والمعارف، وتذكر المصادر قصة الملك الأسكيا داوود الذي كان مولعاً بالكتب شغوفا باقتنائها ، فكانت له مكتبة ضخمة تعج بالكتب النادرة والثمينة ، وكان له نساخ ينسخون له المخطوطات النادرة ، وقد بلغ شغفه بالكتب أنه اشترى قاموسا بمبلغ ثمانين مثقالا منن الذهب الخالص
ويذكر العلامة أحمد بابا التمبكتي في هذا السياق: "أنا أقل عشيرتي كتبا نهب لي ألف وستمائة مجلد". 
وكان الشيخ العلامة سيد المختار الكبير الكنتي يرسل مع كل قافلة تمر ( بحلته ) إلى بلاد المغرب يرسل معها من يشتري له الكتب التي يحتاجها من هناك ، كما راسل الملوك ، والأمراء والعلماء ، ومريديه من أتباع الطريقة القادرية في بلاد المغرب الأقصى لتزويده بما يطرأ عندهم من كتب ، ومؤلفات ، بل وراسل الشيخ مرتضي الزبيدي لهذا الغرض وغيره ، وكذلك فعل أبناؤه ، وأحفاده من بعده حيث نجد مراسلاتهم للملوك والسلاطين والأمراء في البلاد الإسلامية وفي أغلبها نجد طلبات للكتب وغيرها مما يتبادل بين العلماء والأعيان
ويؤكد ما تزخر به المنطقة في الوقت الحالي من مصادر مخطوطة أن المنطقة عرفت معظم المؤلفات المعروفة في البلاد الإسلامية حينذاك ، وقد تحدث من كتبوا عن الحركة الفكرية في المنطقة ، عن ضخامة الموروث الثقافي والفكري الذي تركه أعلام تلك الحقبة من العلماء وأنهم أثروا الحياة العلمية ، والثقافية ، وأضافوا إضافات متميزة إلى المكتبة الإسلامية عموما حيث ألفوا وكتبوا بكل ميادين العلم والمعرفة ، كالتفسير وعلوم القرآن والحديث وعلم المصطلح ، والفقه ، وأصوله وفي علم البلاغة والبيان ، وفي التاريخ ، والتراجم ، والسير والرحلات ، والجغرافيا ، وفي الطب ، والفلك ، والحساب ، والهندسة ، والكيمياء ، وفي علوم التصوف والزهد والأسرار وغير ذلك
ومن الأسر التي اشتهرت بالعلم والتأليف والإنتاج العلمي الغزير في المنطقة ، آل آقيت الصنهاجيين، وأهل السوق، وإيقلاد ، والأسر الفلانية ، وآل بغايغو الونقاريين ، والأسر الأروانية ، كأسرة الشيخ سيدي علي بن شعيب الحسني ، وأسرة سيدي أحمد أق آده ، وأهل بوجبيهة ، وأسر الأنصار والكنتيين وغيرهم ...الخ
ومن هذه البيوتات العلمية بعض الأعلام العظام الذين تركوا موروثا علميا ضخما تفخر به المكتبة الإسلامية، كالعلامة أحمد بابا التمبكتي الذي ترك ما يصل إلى ستة وخمسين مؤلفاً (56)، والعلامة الشيخ سيد المختار الكبير الكنتي الذي ترك هو أيضا أكثر من ثلاثمائة وأربعة عشر مؤلفاً ( 314 ) ، وآلاف الرسائل والفتاوى والقصائد والتي ما زال أغلبها مخطوطا، بل ومجهولا عند الكثيرين من المهتمين بالتراث العلمي في المنطقة
ويلاحظ هنا أن منطقة منحنى النهر كانت بحق قبلة لطلاب العلم والمعرفة من شتى بقاع غرب أفريقيا، من الإمارات الإسلامية التي قامت حول حوض نهر السنغال ، وبلاد الفوتا ، ومن إمارات الهوسا والبرنو، وكانم
وقد لوحظ استقرار أغلب القادمين إلى المنطقة من الشمال ، والجنوب ، ومن الشرق ، والغرب ، في البلاد وتصاهرهم مع السكان المحليين فكونوا بذلك مجتمعا رائعا مثل أجمل أنواع التعاون بين الأجناس والشعوب ، الأمر الذي ساهم بالنصيب الأكبر فيما عرفته البلاد من نهضة علمية وثقافية رائعة ، ويقول آدم عبدالله الألوري في هذا السياق
" ولما ارتكز بمدينة تمبكتو - يقصد العلم - رجع الناس إليها في طلب العلم ، إذ أنها أقرب إليهم من غيرها ، فارتادوا ديار العلم بها حتى نبغ منهم عدد كبير من أهل العلم ، وعند ذلك اكتفوا بما في بلادهم ، وصاروا لا يطلبون العلم إلى سواها ، ولا يحتاجون إلى غير مؤلفات علمائها من الراسخين في العلم" . 
إذن فقد أنجبت المنطقة علماء وفقهاء أغنوا العلوم الشرعية والأدبية بما أنتجته عقولهم النيرة من ثمرات علمية طيبة ، كما ، ربوا أجيالا حملت على مدى قرون عديدة مشعل النهضة العلمية ، والثقافية ، والحضارية في المنطقة حتى أصبحت اللغة العربية ، والثقافة العربية الإسلامية ، إلى جانب الدين الاسلامي المظاهر الأساسية لوحدة المجتمع في سائر منطقة الصحراء ، وبلاد السودان ، فأصبح الأهالي يستظلون بمظلة حضارية واحدة ، ولهم مرجعية عقائدية ، وثقافية واحدة، مما ساهم في تجانس المجتمع واستقراره على مدى الفترة ما قبل الإستعمار الأوروبي ..
ولا شك أن ما تزخر به مكتباتنا الأهلية ، وما تراكم في جنبات مراكزنا العامة والخاصة من وثائق نادرة ، ومخطوطات قيمة ونفيسة أصدق دليل على ما أسلفنا ، ولا شك أن المخطوطات تمثل الجانب المهم من التراث ، والجانب المعرض في نفس الوقت للضياع والتلف إن لم نكرس طاقاتنا ، وإمكانياتنا لنجدتها ، ونبذل الوقت والجهد في البحث عنها وجمعها وصيانتها والحفاظ عليها ، قبل أن تعصف بها عوامل الطبيعة من أمطار، وتصحر، وأرضة وسوء تخزين... الخ
ويلاحظ أن تقدم أي شعب مرهون بإيمانه بعناصره الذاتية من خلال المحافظة على تراثه الفكري ، والثقافي ، والحضاري ، والنهوض عند كل المجتمعات البشرية في الماضي والحاضر مرتبط بإحياء العناصر الحضارية الخلاقة في ثقافة أي شعب أو مجموعة ، ونحن في هذه البقعة من العالم الإسلامي ، نفخر ونعتز بتراث هائل من المخطوطات ورثناه عن أسلافنا في مختلف العلوم ، والمعارف ، يعد بحق إضافة متميزة إلى ما أنتجه العقل البشري النير عبر مسيرته التاريخية المظفرة ، ولكن الذي يؤسف له حقيقة ما لقيه هذا التراث من الإهمال ، والتهميش ، وعدم الاكتراث من أهله ، وممن يفترض فيهم الاهتمام والعناية به ، حتى تنبه له أخيرا مجموعة من الباحثين الأجانب فشرعوا في توعية الناس على أهميته ، ودعوا إلى تكوين جمعيات أهلية للحفاظ عليه ، والنهوض ، والتعريف به بين الناس ..الخ .

إن أهمية مخطوطات منطقة منحى نهر النيجر ترجع إلى أن الدراسات والبحوث الميدانية أثبتت أن هذه المنطقة تعد من أغنى المناطق في غرب القارة بالمخطوطات العربية القيمة ، وقد ذكر بعض المهتمين بهذا الحقل أنها تتجاوز عشرات بل مئات آلاف الكتب المخطوطة وعشرات اللآف من الرسائل والوثائق ، والعقود ، والصكوك القديمة ، ولا غرابة في ذلك فقد حصل تراكم هائل للكتب في المنطقة لأسباب كثيرة ذكرنا أغلبها في بداية المقالة ، فقد تمتع الكتاب في نهضة هذه المنطقة بالنصيب الأوفر من الإهتمام لدى العامة والخاصـــــــة .
وأغلب هذه الثروة الضخمة من الكتب المخطوطة الموجودة بين أيدينا الآن هي نتيجة لما تركه الأجداد للأولاد والأحفاد مما تراكم في تلك الحقبة الزاهرة، وقد احتفظت الأسر العلمية بأغلب هذه الثروة بالإضافة إلى مؤلفات العلماء والفقهاء المحليين الذين أثروا بدورهم المكتبات المحلية ، والأفريقية بتأليف قيمة ومتميزة
وسنذكر في هذا السياق الأماكن التي مازالت تحتضن المخطوطات العربية في المنطقة موضوع البحث ، ونستعرض بعض البيوتات العلمية التي لها منتوج علمي ، ومازالت تحتفظ وتهتم بالكتاب المخطوط وتحتفظ بالوثائق التاريخية النادرة ..
لا شك أن المخطوطات والوثائق العربية في المنطقة أكثر المنظم منها والمتيسر للباحثين ذلك الموجود في مركز أحمد بابا التمبكتي للوثائق والمخطوطات ، والذي يضم الآلاف منها ، بالإضافة إلى مكتبات أهلية موجودة بمدينة تمبكتو نفسها مثل مكتبة مما حيدره للمخطوطات ، ومكتبة آل محمود كعت ، ومكتبة الزاوية الكنتية ، ومكتبة الشيخ محمد محمود الأرواني ومكتبة الأئمة في مسجد جنقربير، ومسجد سنكري ، ومسجد سيدي يحي التادلي، وبعض المكتبات الأهلية في القرى والمداشر التابعة لتمبكتو
هذه إذن نماذج لبعض المكتبات الأهلية في المنطقة التي تزخر بآلاف الكتب المخطوطة ، والوثائق التاريخية النادرة وهذه المخطوطات أغلبها محفوظ في صناديق من الحديد والخشب ، وهي طريقة سيئة تؤدي في الغالب إلى إلحاق الأضرار الجسيمة بالمخطوط وبعضهم يحتفظ بمخطوطاته في أوعية مصنوعة من جلود الأنعـــــــــام
تُجَلد هذه الكتب غالبا بنفس الجلود المدبوغة مع إدخال بعض القطع من الورق المقوى – إن وجد – في عملية التجليد بقصد توفير حماية أكثر للكتاب من مخاطر البلل والندى وما يمكن أن يتعرض له الكتاب من مخاطر أثناء عمليات التخزين والنقل
بعض المخاطر المهددة لمخطوطات المنطقة
وقد تعرضت هذه المخطوطات في الماضي للنهب والسلب أثناء اجتياح المستعمر لبلادنا، وكذلك تعرضت فيما بعد للنهب والتهريب المنظمين إلى الخارج على أيدي سماسرة المخطوطات النشطين جدا في المنطقة، وخاصة أثناء كوارث الجفاف التي مرت بها البلاد في الأعوام: 72/73/1985م
هذا إضافة إلى عمليات الحرق والإتلاف أثناء الحروب الأهلية التي عصفت ببلادنا في العقدين الآخرين من القرن الماضي ، زد على ما تقدم المخاطر التلقيدية المتمثلة في حشرة الأرضة والحر والرطوبة، والأمطار وسوء التخزينالذي أشرنا إليه سابقا – وكوارث الجفاف ، والتصحر، والنقل المستمر من مكان إلى آخر أثناء عملية الترحال عند الأقوام الرحل ، الأمر الذي يلحق الضرر البالغ بالمخطوطات القديمة التي تحتاج دائما إلى الكثير من الرفق، والمحافظة وبرغم كل ما سبق ذكره فإن هذه المنطقة كما لاحظنا ما زالت تزخر بمكيات ضخمة من المخطوطات والوثائق التاريخية المهمة المكتوبة باللغة العربية
ونحن من خلال هذه المساحة البسيطة التي أتيحت لنا لعرض هذه النبذة المتواضعة ، ندعو الأخوة المهتمين بالحفاظ على التراث العربي الإسلامي ، بل والتراث الإنساني عموما ، ندعوهم أن يمدوا لنا يد العون ، ونضم جهدنا البسيط إلى جهودهم لكي ننقذ معا ما يمكن إنقاذه من هذا الموروث الحضاري الثري ، المهدد بالضياع والتلف والفناء ...!!

الاثنين، 23 يوليو 2012

تاريخ الطريقة القادرية في المغرب


تاريخ بدء الطريقة القادرية في المغرب/ سيدالمختار الكنتي

بالرغم من أن منطلق الزاوية القادرية الكنتية كان في المغرب الأوسط ( الجزائر حاليا ) منذ عهد الشيخ / سيدي عبد الرحمن الثعالبي ، مرورا بالشيخ / سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي ، والذي كان له الفضل الكبير في الإنطلاق بالطريقة في آفاق جديدة شملت الصحراء الكبرى وبلاد السودان ، ابتداء من منطقة توات - في جنوب الجزائر حاليا - إلى إمبراطورية الصنغاي وعاصمتها قاوه في عهد الأسكيا الحاج / محمد توري الكبير ، إلى بلاد الهاوسا في دولة نيجيريا الفدرالية الحالية .

وعن أسبقية الوجود القادري في المنطقة يقول الباحث المصري . د / عبد الله عبد الرازق إبراهيم ، في كتابه القيم (( أضواء على الطرق الصوفية في القارة الإفريقية )) يقول :

" ... كانت الطريقة القادرية أول طريقة منظمة دخلت مراكش (( يعني المملكة المغربية )) من خلال العالم المراكشي المشهور : أبي مدين الغوث منذ 1198 م الذي قابل مؤسس الطريقة الشيخ / عبد القادر الجيلاني في بغداد بعد أداء كل منهما فريضة الحج ... " أ . هـ .

إلاً أن الإنطلاقة الثانية للطريقة القادرية في المنطقة عموما كانت بجهود أحد تلامذة الشيخ/ المغيلي وهو : سيدعمر الشيخ الكنتي والذي جاب المنطقة - مرافقا لشيخه المغيلي أولا - طولا وعرضا في رحلات دعوية لا تنقطع قادته إلى المشرق ، والمغرب ، ثم بعد أن تولى مشيخة الطريقة القادرية بعد وفاة شيخه المغيلي انطلق يجوب هذا النطاق الجغرافي الممتد من حوض نهر النيجر وبلاد السودان جنوبا إلى أقصى شمال بلاد المغرب داعيا الناس إلى مباديء الدين الحنيف ، ومربيا الأجيال على مباديء طريقته القادرية البكائية الكنتية ، وظل كذلك حتى توفاه الأجل المحتوم ، وصعدت روحه الطيبة الطاهرة المطمئنة إلى بارئها في واحدة من هذه الرحلات الدعوية بالقرب من ( بلدة آقا ) في الجنوب المغربي .

ولا نشك في أنه ظل هناك منذ ذلك الوقت ، بل وقبله وجودا للطريقة القادرية في المغرب الأقصى بدليل النص التاريخي الذي أستشهدنا به أعلاه .

إلاَّ أن الوجود القادري في بلاد المغرب الأقصى تعزز ونمى مع مرور الأيام وتلاحق الأحداث ، وتعاظم بصورة مطردة حتى دخلت الطريقة القادرية الكنتية في القصر الملكي نفسه في عهد الملوك العلويين الكرام في القرن التاسع عشر الميلادي .

ويبدو أن ذلك كان بفضل المجهود الدعوي المتميز الذي بذله الشيخ/ سيد المختار الكبير الكنتي الفهري ( 1730 - 1811 م . ) والذي كان عهده الميمون من أزهى العهود التي عرفتها القادرية في المنطقة ، فقد أثمرت جهود الشيخ / سيد المختار أنتشار الزوايا الكنتية في القطر المغربي كله .

وذكر المرحوم العلامة / محمد النوني - طيب الله ثراه - العديد منها وسنتطرق لبعض منها هنا على سبيل المثال لا الحصر .

1-- الزاوية المختارية الكنتية ، في مدينة رباط الفتح ، العاصمة .
ومؤسسها هو : ابن يعقوب/ الحاج محمد الرباطي ، وتوفي هذا الشيخ حوالي 1888م .

وكان من أعلام هذه الزاوية المشهورين ، الشيخ الجليل / محمد بن أحمد بن علي الأندلسي ، ثم الرباطي ، وكان من أهل العلم والمعرفة وكانت له دروس علمية يلقيها في الزاوية وقد أمها الكثيرون من أبناء المغرب .

2 -- والزاوية المختارية الكنتية في مدينة مراكش وكان من أعلامها الشيخ الفاضل / عبد الخالق بن احمد المراكشي ، وكان هو أيضا من أهل العلم والتربية وكان يلقي في الزاوية دروسا علمية ، وفقهية اجتذبت الكثير من طلاب العلم والمعرفة في المنطقة.

3 -- الزاوية القادرية الكنتية في حي صدراته بمدينة مكناس
ومؤسسها هو الباشا / عبد الله بن أحماد البخاري السوسي ، وقد سافر الباشا خصيصا إلى تمبكتو حاضرة إقليم أزواد - شمال مالي - لكي يأخذ ورد الطريقة القادرية الكنتية من الشيخ / سيد المختار الكنتي الصغير وبعد وصوله إلى تمبكتو - حيث مقر الزاوية حينذاك - أخذ الورد القادري الكنتي لنفسه وللسلطان سيدي محمد الرابع ابن مولاي عبد الرحمن ، كما أخذ الباشا ورد الطريقة - كذلك - لبعض وزراء السلطان مولاي سيدي محمد الرابع ، ثم قفل راجعا إلى موطنه المغرب .

4 --الزاوية القادرية الكنتية في اسطات ،
وقد أسسها الحاج الشيخ / العربي العبدوني الشاوي واشتهرت الزاوية في عهده بنشر العلم والمعرفة في منطقة الريف المغربي وشمال القطر عموما وكانت الزاوية في عهده قبلة للطلبة المتعطشين للعلم والعرفة والتربية الروحية الصافية ،
وكان تاريخ وفاة الشيخ / العبدوني - تغمده الله بواسع رحمته وعظيم مغفرته - حوالي ( 1892 م )

ومن أهم أعلام الطريقة في المغرب :

وربما من تكملة الفائدة ذكر بعض أعلام الطريقة القادرية الكنتية في بلاد المغرب الأقصى ، ونذكر منهم - تغمدهم الله بواسع رحمته وعظيم مغفرته - :
1 --العالم الجراري : يحي بن عبد الله بن مسعود البكري ، والتوفي (1844م )

2 --والفقيه ابن دحو : محمد بن أحمد الأزموري المتوفي في ( 1868م )

3 -- والبربوشي : البشير بنعبد الحي الصحراوي دفين مراكش (1874م )

5 - والعربي الهاشمي العزوزي الزرهوني الفاسي.

6 - والشيخ المجاهد /عابدين بن سيدي محمد الكنتي توفي في الجنوب المغربي بالقرب من قليميم ( وهو من أحفاد الشيخ / سيد المختار الكنتي الكبير ، وجاء إلى المغرب مجاهدا ثم استقر به الحال بسبب احتلال الفرنسيين لموطنه أزواد ) .

7- والشيخ / سيدي بوبكر ابن المجاهد / عابدين الكنتي ( وهو أيضا من أحفاد الشيخ / سيد المختار ) توفي في منطقة أولاد جرار ، في الجنوب المغربي .

كانت تلك الثلة من الأعلام الميامين .. والشيوخ المباركين هي من حمل مشعلة الدعوة القادرية الكنتية في منطقة المغرب الأقصى وقد لقيت الطريقة القبول الحسن وأنضم إليها الكثير من الأحباب المربين والمعلمين والمصلحين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين وكان لهم الكثير من الأتباع ، والمريدين من مختلف شرائح المجتمع المغربي - ملوك .. وأمراء .. ووزراء .. وأهل يسار .. وعلماء .. وفقهاء .. وأدباء .. ومواطنين عاديين - وكانت لهم زوايا - كما بينا - في جهات المغرب الأربع ، وقد سعوا جميعا إلى نشر السلام .. والطمأنينة .. وإشاعة روح التسامح .. والمحبة بين الجميع .. والأمن النفسي .. والروحي بين الناس .

الأحد، 22 يوليو 2012

من أعلام الصوفية في موريتانيا الشيخ سيدي محمد الخليفة


الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي :
هو محمد بن المختار ابن أحمد ابن أبي بكر  بن محمد حبيب الله بن الوافي بن سيد اعمر الشيخ بن الشيخ سيد أحمد البكاي بن سيدي محمد الكنتي . يقول عنه صاحب : "منح الرب الغفور في ذكر ما أهمل صاحب فتح الشكور " الطالب بوبكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي :
"كان رحمه الله تعالى من أولياء الله تعالى العارفين ، وكان وليا عارفا بالله، كاملا تقيا عابدا ورعا زاهدا عالما فقيها جمع بين الشريعة والحقيقة" ويضيف : جمع العلوم كلها فقها وحديثا وتفسيرا وغير ذلك " انتهى الاستشهاد.
 والحقيقة أن الشيخ سيدي محمد الخليفة لم يترك لنا سيرة ذاتية عن نفسه باستثناء بعض الإشارات العابرة التي نجدها في ثنايا كتبه وهي في الأغلب الأعم تتحدث عن بعض المواقف التي حصلت له من شيخه ووالده وبعض من تلاميذه .
الابن الخامس من أبناء الشيخ سيدي المختار الكبير ولد حوالي 1756م  اجتذب علمه وورعه منذ صغره اهتمام والده  الذي بلغت شهرته الآفاق إليه فاختاره لخلافته الروحية عندما حضرته الوفاة سنة 1811.
ويروي الشيخ سيدي محمد الكيفية التي انتقلت بها تعاليم الطريقة القادرية إلى جده أستاذ أساتذه الشيخ سيدي عمر الشيخ قائلا :
خرج الجد سيد اعمر الشيخ ، بعدما تضلع من فنون العلوم، وحظي منها بالمدروس والملهوم ، مسافرا  إلى جهة السوس الأقصى ، فلقي الشيخ سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي([1])، فتذاكرا أنواع العلوم وفنونها فإذا كل منهما بحر لا ساحل له، فتفاوضا في علوم القوم فأشفى المغيلي عليه في علوم الباطن فتجرد له سيدي اعمر الشيخ من جميع ما بيده وسأله الصحبة فرضي بها ، فلزمه برسم التقشف والمجاهدة ثلاثين سنة وكان خلّف زوجة وثلاثة أبناء صغار، وسافر من بيته يوم سابع أصغر بنيه ، فلما مات الشيخ قال لبنيه وسائر مريديه قولته المشهورة وهي إحدى علامات الاستخلاف عند المتصوفة : "من كان منكم ملتمسا مني نفعا، فليلتمسه من هذا فإنه احتوى على جميع ما عندي، وامتصني كما يمتص الآكل التمرة ويلقي بالنواة "([2]).
فكما احتوى سيدي اعمر الشيخ على علوم عبد الكريم المغيلي وامتصه كا يمتص لآكل التمرة ويلقى بالنواة ، احتوى هو كذلك على علوم أبيه وشيخه وتفوق عليه كما ذهب إلى ذلك بعض المؤرخين وأنا أيد هذه الفكرة ولا غرو فهذا الشبل من ذاك الأسد .
استمر الشيخ سيدي محمد الخليفة في الزعامة الدينية القادرية خمس عشرة سنة كانت حافلة بالعطاء الفكري الزاخر وأجاد فيها بأعمال فكرية تلخص مختلف جوانب نشاطه الفكري الذي شمل مجمل علوم عصره التي لم يترك منها فنا واحدا إلا وألف فيه وأبدع وأمتع بأسلوب أقرب ما يكون إلى أسلوب عبد القاهر الجرجاني أو الآمدي أو الجاحظ أو الغزالي : له من التآليف والمصنفات ما يربو على الأربعين : من الفقه وعلم الأصول والكلام وأدب السياسة إلى التصوف وعلم العروض والشعر وعلم الأنساب :
ألف في مجال الفقه : إرشاد السالك إلى أقوم المسالك
وكتب في مجال علم الأصول :
1-  ترجمان المقال ورافع الإشكال : وهو شرح نظم ورقات الجويني
2- نظم ورقات أبي المعالي الجويني واسمه منهج الفعال
وفي علم الكلام :
1- بهجة النفوس
وفي أدب السياسة :
1- أوثق عرى الاعتصام للأمراء والوزراء والحكام
وفي التصوف وفيه أكثر أعماله :
1- جنة المريد دون المريد التي تشرفنا بتحقيقها وهي نموذج للأدب الصوفي الجامع لموضوعات التصوف السني المانع لشطحات الإشراقيين والحلوليين وتشبه طريقة تصنيفه مصنفات أعلام المتصوفة الكبار كالغزالي في إحياء علوم الدين والقشيري في رسالته وابن عطاء الله  في الحكم ولطائف المنن .
وله في هذا الفن كتب كثيرة أخرى نذكر منها :
2- الطرائف والتلائد في كرامات الوالدة والوالد
3- السلم الأسنى إلى أسماء الله الحسني
4- الدراري السارية في الأجوبة الخيرية
5- كتاب الإسراء
6- شرح المثلث خالي الوسط
7- شرح الورد القادري
8- العقد النظيم على أقوال العلماء في الاسم الأعظم
9- الفوائد النورانية والفرائد السنية في شرح الاسم الأعظم
10- مفسر المقال لمضمر الحال
11- الإيجاب والسلب بجلاء مرآة القلب
12- منح القدوس في عبق ثمر أحمد الشموس وله في هذا الفن أعمال أخرى يطول حصرها
وفي علم العروض والشعر :
1- الخاتمة على الأبيات والألقاب وللأجزاء والأعاريض والأسباب
وفي علم الأنساب كتابه الشهير : الرسالة الغلاوية التي تعتبر بشهادة الكثيرين
وله كتب أخرى ذات طبيعة سجالية يرد فيها على خصومه في شتى المجالات نذكر منها :
1- الرسالة البارعة القاطعة لدابر سيء اعتقادات المعاند القارعة
2- علم اليقين وسنن المتقين بحسم الإتاوة في حق المستحقين
3- الصوارم الهندية بحسم دعاوى المهدية
وكان الشيخ سيدي محمد الخليفة بارعا في كتابة النثر والشعر في أدب الرسائل وشعر النقائض وكان شاعرا لا يبارى ولا يخلو أي مؤلف من مؤلفاته من قصائد ومقطوعات شعرية .
ومن نوادره : أن تلميذه الأبرز الشيخ سيديا الكبير كان ينتظر منه بعض التعاليم الخاصة وكان يدرس أحد أبنائه الخلاصة لابن مالك واستمر حتى وصل نصف الكتاب وتوقف وقال للتلميذ لست بمتمم لك النصف الآخر من الكتاب حتي يفي لي والد يعني الشيخ سيدي محمد بما وعدني ونظم ذلك في أبيات وسلمها له يقول فيها :
يا سيدي نصـف الخلاصة لابن
مالكٍ الإمام محـــمدٍ  أكملته
وعلمتوا ما العـــاد إلا  أنني
لأتم  فائد عـــــادة حولته
والفضل والإحسان منكم والجدا
أملته  و رعيته وســـــألته
ولقد وعدت بمثل ذا يا سيـدي
وعدا  لخير قد عرضـته وأطـلته
فرد عليه الشيخ سيدي محمد الخليفة بهذه الأبيات :

لك ناجز الوعد الذي  أمـــلته
ممن يحقق ما عليه أحــــلته
ولمقرئ  ولدولة و مــــذاكر
ولمن بعروة الانتساب وصــلته
ولمن  أتى متوردا  ورد  الصــفا
فسقيته و حضنته  وكفـــلته
وضربت دون  مصاده  حــصنا
حمى مما يخاف و بالروا أنهــلته
وصرمت من شيطانه  أشطــانه
وهزمت جند  عدوه و فلــلته
و غسلت جوهر  سره  بمــطهر
عذب منير باعث و غســـلته
أجنيته قطف المعـــارف دانيا
ورعيته و رفوته و رفــــلته
وأقلته وأقمته وأقــــــته
وحميته و حبوته و حمــــلته
وأعرته طرفا أراه حقــــيقة 
من  دون لائحها الغطاء  سبـلته
فيها رآها والعناية  ركــــنه
وأنا   الذي  بمكاحلي  أكحـلته
فغدا بصيرا  بالبصيرة عـــنده
مكنوز ما أودعته و أنــــلته
تخفي الأهلة ما استهــلت بينها
شمس  سمكت  سماءها  و حلـلته
وأدرت أقطـــابا بها و دوالبا
وبسطحها أنزلت  ما نـــزلته
وكذا الرقاع السبع قمت بدورها
فعلوت  دائر قوسها و سفــلته
ورفوت منها ما و هى ورقعت ما
خرق الجفا وغزوته وعـــزلته
من شاء فليؤمن و من يك  كافرا
فالحق يا ذا اللب ما قد قـــلته
ذكر هارون بن بابه بن الشيخ سيديا في كتاب الأخبار سبع عشرة إجازة منحها الشيخ سيدي محمد لعلماء موريتانيين من مختلف الجهات .
ومن أشهر تلاميذه : الشيخ سيديا الكبير الذي وصل إلى الزاوية الكنتية بأشهر قليلة قبل وفاة الشيخ سيدي المختار الكنتي  فكان من حظه أن رافق الإبن طيلة خمسة عشر عاما إلى أن توفي بدوره سنة 1826. وكان الشيخ سيديا قد غادر مخيم الشيخ عائدا إلى موطنه بعد إجازته لكن علم بموت الشيخ وهو لا يزال في الطريق فقل راجعا وكان من حظه أن شارك في عزاء الفقيد رحمه الله الذي توفي في مايو سنة 1826 فدفن في جوار والده بولنوار غربي بانمبا وإلى الجنوب من المبروك







[1] محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني (909 هـ - 1503 م) : مفسر، فقيه، ومتصوف من أهل تلمسان بالجزائر . اشتهر بمناوأته لليهود وهدمه كنائسهم في توات (بقرب تلمسان) ورحل إلى السودان وبلاد التكرور، لنشر أحكام الشرع وقواعده . وتوفي في توات . من أشهر تلاميذه سيدي عمر الشيخ الكنتي - جد المؤلف – الذي أخذ عنه مبادئ الطريقة القادرية . له كتب، منها " البدر المنير في علوم التفسير" و "التعريف، فيما يجب على الملوك " (مخطوط) لعله رسالته المساماة " تاج الدين، فيما يجب على الملوك والسلاطين " و "أحكام أهل الذمة "(مخطوط) و "شرح مختصر خليل" في فقه المالكية، و "مفتاح النظر" في علم الحديث، و "منح الوهاب "(مخطوط) منظومة في المنطق، له شرح عليها سماه "إمناح الأحباب من منح الوهاب" في دار الكتب . وله نظم، منه قصيدة عارض بها البردة  . انظر بهذا الخصوص ، الزركلي ، الأعلام ، ج 6 ، ص216.
لشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي ، جنة المريد دون المريد ، تحقيق البكاي ولد عبد المالك ، ص (مخطوط).


المراجع والمصادر :
1- أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الولاتي ، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور، تحقيق محمد ابراهيم الكتاني ، ومحمد حجي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1981.
2- بول مارتي ، دراسات حول الإسلام في موريتانيا ، ترجمة د . البكاي ولد عبد المالك ، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ، تونس ، 2010.
3- الرسالة الغلاوية ، تحقيق  د .حماه الله ولد السالم  (مخطوط).
4- جنة المريد دون المريد ، تحقيق د. البكاي ولد عبد المالك (مخطوط)