بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

من أقطاب التصوف في موريتانيا ...."الشيخ سيدي محمد ولد امني "


التصوف نزعة إنسانية، ظهرت عبر تاريخنا الإسلامي ، وهو يعبر عن شوق الروح إلى التطهر، ورغبتها في الاستعلاء علي قيود المادة ، وسعيها الدائم إلى تحقيق مستويات عليا من الصفاء الروحى والكمال الأخلاقى تقربا للخالق. ولم يكن اهل هذه البلاد الشنقيطية، استثناء في هذا المجال، فقد ظهر التصوف لديهم مثلما ظهر لدى بقية الأقطار العربية والإسلامية، بل انه كان أكثر تأثيرا في خدمة الإسلام واتساعه تاريخيا في منطقة غرب إفريقيا. وقد دخلت الحركة الصوفية إلى موريتانيا ابتداء من القرن 11هجري، فظهرت زوايا دينية عديدة، مارست سلطة روحية مؤثرة في المجتمع، ومن أكثر هذه الحركات الصوفية انتشارا في بلادنا، الطريقة القادرية نسبة إلي الشيخ عبد القادر الجيلاني المولود سنة 471هـ (1077م)، والتي اخذ بها الكثير من مشايخ التصوف، في مقدمتهم الشيخ سيدي المختار الكنتي والشيخ سديا والشيخ ماء العينين...

والشيخ القاضي الذي تتلمذ عليه الشيخ سيدي محمد ولد امني - موضوع بحثنا- ، بتوجيه من الشيخ سيدي المختار الكنتي الذي كان الشيخ ولد امني يحاول الالتحاق به في منظقة ازواد.
وبما أن الكثير من التراث الديني والثقافي لهذا الرمز الديني المشهود له بالعلم والصلاح والتقي قد تعرض للضياع والتلف، أو ما يزال في مخطوطات حبيسة في بعض المكتبات الخصوصية أو لدي بعض الرواة ممن يصعب الوصول إليه، وهو ما كان له تأثير سلبي حول عدم نشر الكثير من حياة هذا الشيخ الذي يعد من أقطاب التصوف والصلاح في موريتانيا. لكنه وعلي الرغم من ذلك فقد اصدر قبل سنوات قليلة كل من الأستاذين الخليفة ولد جار الله ومحمد الأمين ولد محمدو مؤلفين منفصلين عن حياة الشيخ سيدي محمد ولد امني، مما مكن من الحصول علي معلومات أولية غاية في الأهمية في هذا المجال، فلهم جزيل الشكر والامتنان لما بذلوه من جهد جهيد سبيلا لنفض غبار السنين والأيام عن تراث و مآثر هذا الشيخ الجليل.
مولد الشيخ ونشأته:
ولد الشيخ سيدي محمد ولد امني من أبوين كريمين مشهود لهما بعزة الاصل والكرم، فابوه احمد الملقب امني ولد الطالب محمد، أما أمه فهي فريدة عقدها ونفيسة زمانها المشهود لها بالعفة والطهر والكرم والصلاح مريم بنت أب تنتمي لبيت من بيوتات قبيلة "تنواجيو" وذلك حوالي سنة1170 هجرية، وقد نشا الشيخ سيدي محمد يتيما في وسط اجتماعي، يسوده العلم والورع والزهد والتقي، في كنف والدته وأخيه الأكبر من جهة الأب الملقب ب"امني"، ويمتد نسب الشيخ سيدي محمد ولد امني إلي إبراهيم الأموي نسبة إلي بني أمية، حسب أدق الروايات التاريخية وأكثرها تواترا لدي المؤرخين المعاصرين في مقدمتهم المؤرخ الموريتاني الشهير المختار ولد حامدن، الذي أكد انتسابه لقبيلة"مدلش" والتي تعني مجلس العلم، وهي القبيلة التي تمتد أصولها لبني أمية.
حفظ الشيخ سيدي محمد القرءان في سن مبكرة من صباه، ودرس متون النحو والفقه واللغة قبل أن يرحل عن مناكب الحي لطلب المزيد من العلم، وقد ظهرت عليه علامات الموهبة والنبوغ في الصغر،يقول السيد محمد الأمين ولد محمدو في دراسته التي أنجزها عن تاريخه:" فاتصل بداية بابن لامين السملالي وخدمه طويلا حتي استكمل ما لديه من أنواع العلوم...، وبعد ذلك ارتحل إلي آل محمد سالم ومكث عندهم سنين عديدة إلي أن ارتوي من العلوم أصولا وفروعا ومنطقا وبيانا حتي تفقه في شتي أنواع العلوم، فعاد إلي موطنه وباشر العبادة والتنسك والاعتكاف في الخلاء وتعلقت روحه بالشيخ سيدي المختار الكنتي بازواد، لكنهما لم يلتقيا بشكل مباشر" ويضيف الباحث محمد الأمين ولد محمدو:" لقد تفقه الشيخ سيد محمد في جميع العلوم حتي بلغ درجة الاجتهاد، وقد اجتهد بالفعل في مسائل فقهية عويصة منها علي سبيل المثال مسالة الحبس" ويلفت الأستاذ ولد محمدو الانتباه في دراسته عن الشيخ أن الذي منعه من التأليف هو ما جسده في مقولته المشهورة:"نحن قوم شغلنا إصلاح أفئدتنا عن التأليف وإصلاح ألسنتنا"، فالشيخ كما هو واضح قد انشغل بالمراقبة والمشاهدة عن كل شيئ ووجد في ذلك المقام من المتعة ما جعله مشدودا إليه، لا يقدر الالتفات إلي سواه...، ومع ذلك ومما يدل علي رسوخ قدمه في الفقه أن ارتضاه الشيخ القاضي لتعليم أبنائه علوم الفقه ومتون العلوم الشرعية في ذلك العهد".
أخلاقه وكرمه:
عرف الشيخ ولد امني منذ صغره بمميزات طيبة وأخلاق عالية كالجود والورع والصلاح والزهد في الدنيا، وهي نفسها الصفات التي ذاع بها صيته في الكثير من نواحي القطر الموريتاني، وخصوصا في المناطق التي عاش فيها أكثر مع مجموعته مابين منطقي لبراكنه وتكانت يقول فيه الشاعر محمد عبد الله ولد أعبيد الرحمن من احدي قصائد قد مدحه بها:
ما لغبن إلا لقوم صاحبــوه لقــــــد    انقي قلوبهم من رين كل صـدا
قات القلوب وأجساد الانام فمـــــن    قد أمه قات منه القلب والجسدا
وامدح بنيه بنات الفضـــــل إنـهـم    أهـــــلا لذلك لا تدع منهم أحدا
بنوا على الرفع إن ناديت واحدهم    فأرفعه قد نال رفعا قبل كل ندا
وثق إذا جئتهم تبغ الهــــدى بهدى    وثق إذا جئتهم تبغي الندى بندا
إلي أن يقول:
وذا الذي بدالي من مفاخرهم      هو الذي لجميع العالمين بدا
فسأل بأخبارهم من كان ساكنهم   لا بل فسأل ذا الورى من أصدقاء وعدا
قوم غداة الندى الجم الغفير وإن  دعوتهم للخنا قلوا إذن عددا
وكان الشيخ ولد أمني كما يروى، يقسم أمواله والهدايا التي تهدى إليه من بعض أمراء البلاد وغيرهم، على المحتاجين، وينسب إليه قوله ردا على بعض من اعترضوا على كثرة بذله وعطائه للناس حتى لم يترك لنفسه شيئا:
حد أعط جابر غبطَ      حد أحكم يتنــــدم
رشيد ألا حد أعــطَ      سفيه ألا حد أحكم
وقوله:
آنَ رزق ماه أمغطِ     ذ الجابر من كافينِ
أنتم آنَ من نعــــطِ     وإتـم المول يعطينِ

وكان حرما آمنا في ذلك العهد الذي كثرت فيه الغارات والفتن بين القبائل، فوفد إليه الناس وأختاروا جواره لينهلوا من معين فيضه المنساب ، ثم لينشدوا الحماية والأمن في جواره المهاب، يقول الشاعر ولد أعبيد الرحمن في قصيدته السابقة:

هم الأباة أبات الضيم جارهـــــم       لم يخش عدوان عاد إن بغى وعدا
فاليعتمد كل واه ماله عــــــــــمد      علــــــــــــيهم لم يجد أمثالهم عـمدا
فاصحب ألئك تسعد ان صحبتهم      من صاحب السعدا اهل الهدي سعدا

ومن توسلات الشيخ ولد أمني قوله:
توسلت للمولى بجاه نبــــــــــيه       والآل والصحب الغطارفة الغـر
ومن سل سيفا في حنين مجاهدا      وخرم أهل الشرك في ملتقى بدر
وبالطائفين البيت شعثا وجوههم      وبالصائمين القائمين الليل بالذكر
بهم قد دعوت الله يمحو خطيئتي     ويصفح عما قد جنيت من الوزر
إلي آخر القصيدة

مكانته العلمية
ويقول محمد الأمين ولد محمدو في كتابه عن الشيخ:"..على الرغم أن الشيخ لم يكن الرجل الوحيد الذي يتمتع بالعلم ورسوخ القدم في الصوفية آنذاك، إذ كان هناك علماء ومشايخ أجلاء مثل سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم، والمختار ولد بونه والشيخ سيديا ولد الهيبة والشيخ القاضي والشيخ ماء العينين والشيخ المصطف ولد حمادي..إلا أن هؤلاء جميعا على الرغم مما وصلوا إليه كانوا يغبطون للشيخ سيدي محمد المكانة التي رزقه الله إياها، من ترويض للنفس ودوام المشاهدة والعبادة وأتباع السنة، الأمر الذي جعل سلوكه خارقا للعادة من كرامات وكشف واستجابة دعوات".
ومما يروي عنه انه انه رفض هدايا كبيرة قدمها له المستعمر الفرنسي في بداية استكشافاته وتمهيده لحكم البلاد، وردد بتلك المناسبة القول المعروف: تجبل القلوب علي حب من احسن اليها، وكان الفرنسيون قد اوصلوا الي محلته كميات من المؤن الغذائية، فما كان منه الا ان رفض استلامها.
وفاتــــــــــه:
وعن وفاته يقول ولد محمدو في كتابه انه على إثر وصية للشيخ تم نقله إلي المكان الذي كان يتعبد فيه، وهو على ربوة "التومية"غرب مدينة مقطع لحجار حاليا ب7كلم، حيث تم دفنه هنالك، ومن الذين رثوا الشيخ ولد أمني، الشيخ أحمد ولد آدبه ومحمد أحمد ولد الطلبة، وتلميذه محمد ولد بي الجكني الذي يقول في ذلك:

برمل الغضــــى للخـود دور دوارس       عفتها الذواري بعدنا والروامس
كأن لم يذق شهد الصبا في ظلالـــــها       فتو ولم يدرس بها العـلم دارس
ولم تتهادى ضحوة في عرصـــــــاتها      على مهل هيف كعــــاب أوانس
فدع ذا وعدي القول في من تواضعت      لهيبته من هام الرجال القـــلانس
تواضع إجلالا لعزة قــــــــــــــــــدره       له فوق هام العارفين الطـــنافس
تربى بثوب الزهد طـــــــــــــفلا وإنه       لثوب المعالي والمـــهابة لا بس
يضيق مجال القول عن حصر مدحه        ولن يسع الإحصاء منه القراطس
فأقصى أمتداح الأكرمين مذمـــــــــة        لدى مدحه في حقه وخـــــسائس
يعيش الندى ما عشت ياشيخ سالمــا         ويذهب إن واراك في الرمس رامس
تزايد في اللأوى ندى وجلالـــــــــة         تزاد إذا التفت عليك المـــــــجالس
فكم خائف جللت أمنا وعصمــــــــة        وكم غشى من معروف كفيك يائس
وكم جاهل علما كسوت وكم طوت         إليك عراض البيد بزل درافــــــس.
بقلم/ سيدي محمد ولد محفوظ

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

من الأعلام الشناقطة /الشيخ محمد فاضل ولد مامين


الشيخ محمد فاضل ولد مامين
مولده ونسبه
ولد الشيخ محمد فاضل ولد مامين سنة 1797 لا بيه محمد الامين .مامين. ابن الطالب خيار ابن الطالب محمد ابن الجيه المختار بن الحبيب ، بن علي بن سيدي محمد بن سيدي يحي بن علي بن شمس الدين بن يحي الكبير بن القلقمي بن محمد بن عثمان بن أبو بكر بن يحيى بن عبد الرحمان بن أران بن أتلان بن اجملان بن إبراهيم بن مسعود بن عيسى بن عثمان بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن يوسف بن عمر بن يحي بن عبد الله بن أحمد ابن يحي القاسم إدريس بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن الحسن بن علي بن عم الرسول صلى الله عليه وسلم و زوج أبنت فاطمة رضي الله عنها. ولامه .اخديجتن بنت الطاب بوبكر المتوني
ينتمي الشيخ محمد فاضل إلى عشيرة آل الطالب المختار من القلاقمة، وهم شرفاء حسنيون من ذرية إدريس بن عبد الله الكامل ، وعرف القلاقمة "بالزهد والطيبوبة، كما أن صحة انتمائهم إلى آل البيت محل إجماع النسابة، حتى قيل عنهم (من صح أنه قلقمي صح أنه شريف)" . إلا أن القلاقمة "ليس من عادتهم أن يتظاهروا بالشرف كل التظاهر كما يقع من غيرهم" ، وقد بنى والدهم دارا ولم يسقفها تواضعا منه فسمي أبناؤه السقفيين ، عدّهم الشيخ سيد المختار الكنتي في جملة من أخفوا شرفهم من الشرفاء ، ووالدهم، سيدي يحيى، "نهى أبناءه عما كان في آبائه من التسمية بمولاي، ورجا من الله أن يكون لهم مكان ذلك الخلافة الباطنة ."
وسيدي يحيى، يلقب بالكبير وبالقلقمي، ويدعى قلقم، وهو ابن سيدي عثمان، بن أبي بكر، بن سيدي يحيى بن سيدي عبد الرحمان، بن مولاي أران، بن مولاي أتلان، بن مولاي أجملان، بن سيدي إبراهيم، بن سيدي مسعود، بن سيدي عيسى، بن عثمان، بن إسماعيل، بن عبد الوهاب، بن يوسف، بن عمر، بن يحيى، بن عبد الله، بن أحمد، بن يحيى، بن القاسم، بن مولاي إدريس الأزهر، بن مولاي إدريس الأكبر، بن عبد الله، بن الحسن المثنى، بن الحسن السبط، بن علي كرم الله وجهه وابن مولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد توفي سيدي يحيى القلقمي بتنبكتو قادما من توات بعد خلال مع أبناء عمومته، وكان أسلافه ممن انتقل إلى بلاد توات نازحين عن فاس بسبب ما لحق الأدارسة من تشريد وطرد، في فتنة موسى بن أبي العافية . وظلت ذرية سيدي يحيى الكبير القلقمي بتنبكتو، خاصة ابنه شمس الدين ثم سيدي علي بن شمس الدين، الذي توفي بتنبكتو أواسط القرن 15م/9هـ، مخلفا ثلاثة أبناءهم سيدي يحيى الصغير وأبو بكر والطالب بركة، الذين ألجأهم إلى الهجرة صوب ولاتة، رفقة علماء تنبكتو، استيلاء الحاكم السونكاني سوني علي عليها عام 1467م/871هـ، وظلوا بولاتة ثمانية عشر عاما، ثم ذهبوا إلى النعمة وباشروا بناء قصرها .
ثم ارتحل سيدي يحيى الصغير إلى تورشين حيث توفي ودفن معقبا ثلاثة أبناءهم الطالب عبد الله، والطالب سيدي أحمد الهيبة، والطالب محمد جد آل الطالب المختار الذي توجه إلى الغرب لدى العرب المغافرة واستقر إزاءهم . وينتشر التعليم بصورة واسعة في مخيمات القلاقمة، حيث تقصدهم جماعات من القبائل البيضانية والسودانية لتلقي العلم والورد القادري. ولهم مدارس أنجبت العديد من العلماء . وآل الطالب المختار هم فرع من القلاقمة ينتسب للطالب المختار أو (الجيه المختار) بن الطالب الحبيب بن الطالب علي بن سيدي محمد ، بن يحيى، بن علي، بن شمس الدين، بن يحيى الكبير القلقمي . وقد انفصل آل الطالب المختار عن عشيرتهم القلاقمة، في تورشين، حوالي منتصف القرن 16م/10هـ. وإثر ذلك، انتقل الطالب الحبيب (والد الطالب المختار ) إلى المغرب، فسكن نواحي توات
ثم انتقل إلى جبل العياشي بشمال سجلماسة . وكان العصر إذ ذاك زمن ثورات وقلاقل في المغرب إبان أفول دولة السعديين وبزوغ دولة العلويين . يقول الشيخ محمد الإمام: "فأظهر الله عليه [الجيه المختار (الطالب المختار)] من الفضل والقبول والولاية ما طمحت إليه الأعناق، وذلك زمن إمارة الشريف سيدي علي بودميعة السملالي، فلم تحتمل طبيعة الملك مقامة معه في البلاد، فارتحل جدنا المذكور إلى بلاد التكرور وشنجيط، فأتى إلى عرب المعقل هناك، فتلقوه بالتبجيل والإعظام، فعرفوا له فضله، فكثرت أتباعه وتلامذته(...) حتى توفي بين أظهرهم في البلاد المعروفة بتكانت: (...) فترك أولاده وحاشيته هناك ملحوظين بعين الاعتبار والتوقير، وذلك زمن رئاسة المغافرة أبناء امبارك في البلاد المعروفة بالحوض، (...) فاستقدموهم إلى بلاد الحوض تبركا بهم وتيمنا بجوارهم (...) وصار الحوض وطنا لأسلافنا من ذلك التاريخ، من إبان القرن العاشر إلى الآن ."
وكانت وفاة الجيه المختار أواخر القرن 17م/11هـ بأركيز شرقي تكانت . ونفوذ آل الجيه المختار (الطالب المختار) محسوس بشكل متفاوت، في معظم قبائل الحوض والساحل ويعتبرون رجال صلاح وزوايا مثقفين. كما أن المنافسات التي تقوم وتثور بينهم لا تلحق بهم الأذى في الخارج. وفي الواقع، فإن هذا التوقير الديني صادر من الخارج الذي يحترمهم كأبناء وتلاميذ شيخ الإسلام القدير الشيخ محمد فاضل .
وهو الشيخ محمد فاضل بن محمد الأمين (مامين)، بن الطالب أخيار، بن الطالب محمد أبي الأنوار، بن الجيه المختار. وإليه انتهت رئاسة العشيرة، لدينه وعلمه وفضله، وقد كان الجيه المختار يعرف بالقلقمي أولا، ثم صار علما لقبيلة آل الطالب المختار وأضحت لا تعرف إلا به، ولما أظهر الله الشيخ محمد فاضل وأعطاه من الشهرة ما استغنى به عن التعريف بالقبيلة، صار كل من يتعلق به لا ينسب إلا إليه ولا يعرف إلا به ، وغدا علم القبيلة (آل الشيخ محمد فاضل) على الأعم . ولد الشيخ محمد فاضل بالحوض الشرقي عام 1211 هـ / 1797 م، وتوفي به ليلة الجمعة، عاشوراء عام 1285 هـ / 1869 م، وسمّي مدفنه "دار السلام" . أبوه محمد الأمين بن الطالب أخيار وأمّه اخديجتن بنت الطالب بوبكّر اللمتونية. ونشأ في بيئة علم وصلاح وفضل، نهل منها وتشبّع بها، فصار من أعلام العلم والتصوّف، وقد خلّف مؤلفات تربو على الخمسين، منها:
1-    مطيّة المجدّ
2-    سيف المجادل
3-    سيف السكت
4-    فقه المنى
5-    التيسير
6-    النور الساطع
7-    كشف الحجاب
8-    التوضيح في علم العروض
9-     تأليف في علم القوافي
10-            تأليف في علم الأصول على ألفية ابن مالك
11-            منظومة في اللغة على الجوهر المكنون
12-            مجموعة من النوازل الهامّة
13-            تقاييد في علوم التصوف، وغيرها
 وقد تتلمذ عليه خلق غفير . خصّص لترجمته الطالب أبو بكر الولاتي كتاب الفتح المبين، ومحمد فاضل بن الحبيب كتاب الضياء المستبين، كما تنوّعت أخباره في مصادر غيرهما .
الطريقة الفاضلية
ترتبط الطريقة الفاضلية بالطريقة القادرية ، التي تنتشر في بلاد شنقيط، مع طرق أخرى أبرزها الشاذلية والتيجانية . والفاضلية تنتمي إلى الشيخ محمد فاضل بن مامين، فهو مؤسّسها الذي تولى بثّها (ق 13م/19هـ). وقد أخذ قسما منها عن أبيه الشيخ محمد الأمين (مامين)، عن أبيه الطالب أخيار، عن أبيه الطالب محمد أبي الأنوار، عن أبيه الجيه المختار (الطالب المختار)، عن أبيه الطالب الحبيب، عن أبيه علي، عن أبيه سيدي يحيى الصغير، عن شيخه سيدي أحمد زروق، عن شيخه أحمد الحضرمي، عن شيخه الشريف ابن أوفى، عن أبيه محمد، عن شيخه الإمام ابن عطاء الله، عن أبي العباس المرسي، عن أبي الحسن الشاذلي، عن عبد السلام بن مشيش، عن ابن العربي، عن السهروردي، عن الجنيد، عن خاله السري السقطي، عن معروف الكرخي، عن داود الطائي، عن العجمي، عن الحسن البصري، عن الحسن السبط، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأخذ قسما منها عن أبيه، عن آبائه إلى شمس الدين، عن عبد الرحمن السيوطي، عن الإمام الثعالبي، عن محمد بن العربي، عن ابن مرزوق التلمساني، عن ناصر الدين المشدالي، عن عبد الله البطريني، عن أبي العزم ماضي بن سلطان، عن أبي الحسن الشاذلي، عن عبد السلام بن مشيش، عن ابن العربي، عن السهروردي، عن ابن هيتا، عن مولاي عبد القادر الجيلاني، عن أبي الوفا، عن الشنبكي، عن الشلبي، عن الجنيد، إلى باقي السلسلة المتقدمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . كما أخذ قسما منها عن شيخه الشيخ محمد الأغطف، عن زين العابدين بن عبد الله، عن سيدي أحمد، عن أبيه الشيخ محمد بن ناصر الدرعي، عن شيخه عبد الإله بن حسين، عن سيدي أحمد بن علي، عن سيدي الغازي، عن سيدي علي بن عبد الله، عن أحمد الملياني، عن الشيخ زروق، عن ابن عقبة، عن القرافي، عن ابن عطاء الله، عن المرسي أبي العباس، عن الشاذلي، عن عبد السلام بن مشيش، عن المدني الزياتي، عن جعفر الخزاعي، عن أبي مدين الغوث، عن علي بن حرزهم الفاسي، عن أبي شعيب، عن الغزالي، عن الجويني، عن المكي، عن الحريري، عن الجنيد، إلى باقي السلسلة المتقدمة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم .
شخصية الشيخ الصوفية
الشيخ محمد فاضل، رغم تبنّيه القادرية، لم يكن مقتصرا عليها وحدها في برامجه التربوية، بل كان يعتمد كل ما يسمو بالإنسان من آداب صوفية دون تحجّر طرقي ولا تعصّب مذهبي، ولم يكن يلزم أتباعه نهج طريقة دون غيرها، ولا التقوقع ضمن طائفة دون غيرها، بل كان ينطلق من تصورات تربوية واضحة ووعي صوفي شامل يقوم على الإلمام بجميع الطرق مما يساهم في تهذيب الفرد وإصلاح المجتمع . وكان الشيخ محمد فاضل يحثّ على التفقّه في الدين، بعد إخلاص النيّة بالعبودية التامة قولا وفعلا لله تعالى، الذي لا معبود بحق سواه سبحانه، والذي لا يستحق العبادة غيره، والذي له التصرّف المطلق في الكون، ولا يشرك في حكمه أحدا . وحثّه على التفقه مرجعه أن "العلم سبيل الخير ومداره، وقائد الإنسان إليه ومهديه عليه، ولولا العلم ما عبد الله ."
وقد كان الشيخ محمد فاضل يقول إن طريقته اتّباع السنة النبوية وقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" ويحضّ على العمل بمقتضى الذكر العزيز والسنّة المحمدية، وذكر الله تعالى كثيرا، دون تحديد أو تحجير . وقد كان قائما بتجديد أمور الدين ورعاية أموره، وإشادة منارة العلم وتمهيد قواعده، ومربّيا تلامذته بقواعد الصوفية المؤسّسة على الشريعة النبوية الغرّاء . وكذلك كان تلامذته الذين حملوا مشعل الفاضلية وأناروا به البلاد وصدّوره إلى العديد من المناطق، ومن أشهرهم ابناه الشيخ سعد أبيه والشيخ ماء العينين .
فالشيخ سعد أبيه صدّره والده إلى بلاد القبلة، وما والاها من بلاد السودان (السنغال)، فانتفع به الناس، وبطريقته القائمة على التسامح ونبذ التعصب، وله في هذا الشأن كتاب "الجواب الجيّد في أسئلة المختار بن احميد" الذي يجسّد من خلاله وحدة الطرق الصوفية إذ كلها مفضية إلى الله تعالى . وقد واصل الشيخ سعد أبيه رسالة أبيه وشيخه الشيخ محمد فاضل في الأمر باتباع السنة واجتناب البدعة، وتابعه مريدوه في ذلك، ومنهم الشيخ التّراد بن العباس بن الشيخ الحضرمي بن الشيخ محمد فاضل، الذي تتلمذ على الشيخ سعد أبيه وانتفع به، ويلخص طريقته قائلا: "فاضليّ الطريقة، ما صحبت في طريقة القوم غير شيخنا الشيخ سعد أبيه، (...) وهي مداومة ذكر الله على ممر الساعات، مع تأدية المفروضات والمسنونات والمندوبات، والتباعد عن المحرّمات والمكروهات، ومراعاة التوبة والاستغفار فيما يرتكب من المخالفات، هذا كله بعد تصحيح الاعتقادات، والإخلاص والصدق في النيات في سائر المعاملات، بأن تكون امتثالا لأمر رب الأرضين والسماوات" . ويقول: "بناء طريقتنا ولله الحمد على الكتاب والسنة، والتباعد عن البدع المنكرة، والزخارف والدعاوى المضلة، والإحراج والرهبانية المشددة، والطلاسم والأوفاق الغريبة، لأنها طريق شكر ورحمة، بنيت على المقاصد الصحيحة، وتأدية الفرائض واجتناب المحرمات، وتعمير الأوقات بالتلاوة والأذكار والأدعية والنوافل على وجه الاعتدال والاستطاعة لا غير .
أما الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل فصدّره والده لبلاد الساحل والمغرب ، لبثّ الطريقة ونفع الناس، فدعا إلى عدم التفريق بين الطرق، إذ كلها ترجع إلى الكتاب والسنة، وغايتها نفع العباد بالدعوة إلى الله تعالى، يقول : إني مخاو لجميع الطـــرق أخوّة الإيمان عند المتقــي ولا أفرّق للأوليــــــاء كمن يفــرّق للأنبيـــاء قال تعالى المؤمنون إخــوة وعدم التفريق فــيه أسـوة لأفضل الخلق بعكس التفريق ففيه أسوة لكــل زنديــق ويلخص الشيخ ماء العينين طريقته في قوله : اسمع ولا تغترر وما أقول فــع إن الطريق إلى الإله بالـــورع (...)وذي طريقتنا خذها، وضابطها ما استحسن الشرع، لا سواه فاتبع.. ويقول ابنه وتلميذه الشيخ محمد الإمام:"كان شيخنا الوالد رضي الله عنه، يحضّ على اتباع ظاهر الشرع والمتواتر من النصوص، ولا يحب الخلاف في الدين، والتعصّب للآراء والجدال،
وكان لا يحجر على أحد في أمر يجد فيه وجها شرعيا للجواز" ويقول: "وكان[الشيخ ماء العينين] كثيرا ما يقول أنه لم يرد عن الشارع الأمر بلزوم ذكر واحد وترك ما سواه، ولا التزام نوع من الطاعات غير الفرائض، لزوما يكون تاركه آثما أو في حرج من تركه" ويقول متأسّفا مما حاق بالطريقة من البدع: "وانظر كتب شيخنا الوالد رضي الله عنه ونحوهم من المشائخ المحققين، ولا شك إن الطريقة اعتراها بعد ذلك كثير من الخلل والفساد في هذه الأزمنة الأخيرة، فاختلط الحابل بالنابل، (...) فشوّهوا اسم الطريق بمسائل تشمئز منها القلوب من خزعبلات واضحة البطلان" ويرى الشيخ محمد الإمام أن التوحيد أساس التصوف، يقول : هذا ولا تغفل عن التوحيـــد فالـ ـأشياء عند مشيئة الرحمـــن (...)هذّب فؤادك واشتغل بصلاحـه لتزول عنه شوائـــب الأدران (...)ومتى صفا بالذوق قلبك تنطبع في دفّتيه حقائــق الأكــوان والفاضلية لا تتميّز بأذكار وأوراد تلغي ما سواها وتغدو في حكم الفرض، إذ تتّسم بمرونتها في ما سوى السنة، ذلك أن "من لم تسعه السنّة لم تسعه البدعة" ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تكون "بمتابعته وسلوك سبيله قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة وعقيدة"
ويرى شيوخ الفاضلية أن المربّي المرشد يجب "أن يكون أكبر همّه تسليك السالكين لا جمعهم حوله لتصرف وجوه الخلق نحوه بسببهم" ، فوظيفته إشاعة الخير والدعوة إليه حسب مقتضى الشريعة ومجانبة البدع والأهواء .
منهج الشيخ
وقد كان الشيخ محمد فاضل، وتلامذته من بعده، يجسّدون قيمة العمل داخل المجتمع، فلم يكن تصوفهم انعزالا ورقصا وخرافات، وإنما مدار طريقتهم إصلاح النفس والأمّة بتقوى الله تعالى، وهو ما تجسّد علما وعملا، تمثل في إنتاجهم الفكري في مختلف مناحي المعرفة، وانخراطهم في التوفيق والصلح بين القبائل والجهاد ضد الاستعمار، وغير ذلك مما يدلّ على أن الفاضلية لم تعد كونها تجديدا للسنة النبوية الشريفة . وهو المنهج الذي سلكه الشيخ محمد فاضل ورسّخه في نفوس تلامذته، فأينع من قبلهم ثمرات مختلفا ألوانها، تنحو نحو تجديد التصوّف، بناءا على مقاصده وأصوله .
سيد عثمان